فصل: ما وقع من أحداث سنة ثمان وثمانين وستمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)



.ما وقع من أحداث سنة خمس وثمانين وستمائة:

ثم دخلت سنة خمس وثمانين وستمائة:
فيها أرسل السلطان عسكراً كثيفاً مع نائب سلطنته حسام الدين طرنطلي المنصوري، وأمره بمنازلة الكرك، فسار إليها وحاصرها وتسلمها بالأمان، وأقام بها نواب السلطان، وعاد وصحبته أصحاب الكرك، جمال الدين خضر، وبدر الدين سلامش، ولدا الملك الظاهر بيبرس، فأحسن السلطان إليهما، ووفى لهما بأمانه، وبقيا على ذلك مدة طويلة، ثم بلغه عنهما ما كرهه، فاعتقلهما، فبقيا في الحبس حتى توفي، فنقل خضر وسلامش ولدا الملك الظاهر بيبرس إلى القسطنطينية.
وفيها خرج السلطان من الديار المصرية إلى غزة ثم سار إلى الكرك، فوصل إليها في شعبان، وقرر أمورها ثم عاد إلى جهة غابة أرسوف، وأقام مدة، ثم عاد إلى الديار المصرية.
وفيها توفي ركن الدين أباجي الحاجب.

.ما وقع من أحداث سنة ست وثمانين وستمائة:

ثم دخلت سنة ست وثمانين وستمائة:
ذكر فتوح صهيون:
كان السلطان قد جهز عسكراً كثيفاً مح نائب سلطنته حسام الدين، طرنطاي، بمن معه من العساكر المصرية والشامية، في هذه السنة، إلى قلعة صهيون ونصب عليها المجانيق، وضايقها بالحصار، فأجابه صاحبها الأمير شمس الدين سنقر الأشقر إلى تسليمها بالأمان، وحلف له حسام الدين طرنطاي، وأكرم سنقر الأشقر المذكور غاية الإكرام.
ثم سار حسام الدين طرنطاي إلى اللاذقية، وكان بها برج للفرنج يحيط به البحر من جميع جهاته، فركب طريقاً إليه في البحر بالحجارة، وحاصر البرج المذكور وتسلمه بالأمان وهدمه، ثم بعد ذلك توجه إلى الديار المصرية، وصحبته سنقر الأشقر، فلما وصلا إلى قرب قلعة الجبل، ركب السلطان الملك المنصور قلاوون، والتقى مملوكه حسام الدين طرنطاي، وسنقر الأشقر، وأكرمه، ووفى له بالأمان، وبقي سنقر مكرماً محترماً مع السلطان إلى أن توفي السلطان، وملك بعده ولده الملك الأشرف، فكان من أمره ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وفيها نزل تدان منكو بن طغان بن باطو بن دوشي خان بن جنكزخان عن مملكة التتر بالبلاد الشمالية، وأظهر التزهد، والانقطاع إلى الصلحاء، وأشار إلى أن يملكوا ابن أخيه تلابغا بن منكوتمر بن طغان المذكور، فملك بعده تلابغا ابن المذكور.
وفيها أرسل السلطان الملك المنصور عسكراً مع علم الدين سنجر المسروري، المعروف بالخياط، متولي القاهرة، إلى النوبة، فساروا إليها وغزوا وغنموا وعادوا.
وفيها توفي بدر الدين تتليك الأيدمري.

.ما وقع من أحداث سنة سبع وثمانين وستمائة:

ثم دخلت سنة سبع وثمانين وستمائة:
فيها توفي الملك الصالح علاء الدين علي ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون، وهو الذي جعله ولي عهده وسلطنه في حياته، فوجد عليه السلطان والده وجداً عظيماً، وكان مرضه بالدوسنطريا، وخلف الملك الصالح المذكور، ولداً اسمه موسى بن علي.

.ما وقع من أحداث سنة ثمان وثمانين وستمائة:

ثم دخلت سنة ثمان وثمانين وستمائة:
ذكر فتوح طرابلس:
في هذه السنة، في أول ربيع الآخر، فتحت طرابلس الشام. وصورة ما جرى: أن السلطان الملك المنصور، خرج بالعساكر المصرية في المحرم من هذه السنة، وصار إلى الشام، ثم سار بالعساكر المصرية والشامية، ونازل مدينة طرابلس الشام، يوم الجمعة مستهل ربيع الأول من هذه السنة، ويحيط البحر بغالب هذه المدينة، وليس عليها قتال في البر إلا من جهة الشرق، وهو مقدار قليل.
ولما نازلها السلطان، نصب عليها عدة كثيرة من المجانيق الكبار والصغار، ولازمها بالحصار، واشتد عليها القتال حتى فتحها، يوم الثلاثاء رابع ربيع الآخر من هذه السنة بالسيف، ودخلها العسكر عنوة، فهرب أهلها إلى الميناء، فنجى أقلهم في المراكب، وقتل غالب رجالها، وسبيت ذراريهم، وغنم منهم المسلمون غنيمة عظيمة. وحصار طرابلس هو أيضاً مما شاهدته، وكنت حاضراً فيه، مع والدي الملك الأفضل، وابن عمي الملك المظفر صاحب حماة، ولما فرغ المسلمون من قتل أهل طرابلس ونهبهم، أمر السلطان فهدمت، ودكت إلى الأرض، وكان في البحر قريباً من طرابلس جزيرة، وفيها كنيسة تسمى كنيسة سنطماس، وبينها وبين طرابلس الميناء، فلما أخذت طرابلس، هرب إلى الجزيرة المذكورة وإلى الكنيسة التي فيها عالم عظيم من الفرنج والنساء، فاقتحم العسكر الإسلامي البحر، وعبروا بخيولهم ساحة إلى الجزيرة المذكورة، فقتلوا جميع من:
فيها من الرجال، وغنموا ما بها من النساء والصغار، وهذه الجزيرة بعد فراغ الناس من النهب، عبرت إليها في مركب، فوجدتها ملأى من القتلى، بحيث لا يستطيع الإنسان الوقوف فيها من نتن القتلى.
ولما فرغ السلطان من فتح طرابلس وهدمها، عاد إلى الديار المصرية، وأعطى صاحب حماة الدستور، فعاد إلى بلده، وكان الفرنج قد استولوا على طرابلس في سنة ثلاث وخمسمائة، في حادي عشر ذي الحجة، فبقيت بأيديهم إلى أوائل هذه السنة، أعني سنة ثمان وثمانين وستمائة، فيكون مدة لبعثها مع الفرنج، نحو مائة سنة وخمس وثمانين سنة وشهور.
وفيها: مات قتلاي خان بن طلو بن جنكز خان ملك التتر بالصين، وهو أعظم الخانات، والحاكم على كرسي مملكة جنكزخان، وكان قد طالت مدته، ولما مات قتلاي خان، جلس بعده ولده شهون.

.ما وقع من أحداث سنة تسع وثمانين وستمائة:

ثم دخلت سنة تسع وثمانين وستمائة:
ذكر وفاة السلطان الملك المنصور قلاوونسيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي:
في هذه السنة، في سادس ذي القعدة، توفي الملك المنصور المذكور، وصورة وفاته، أنه خرج من الديار المصرية بالعساكر المتوافرة، على عزم غزو عكا وفتحها، وبرز إلى مسجد التيرز، فابتدأ مرضه في العشر الأخير من شوال، بعد نزوله بالدهليز، في المكان المذكور، وأخذ مرضه يتزايد حتى توفي يوم السبت، سادس ذي القعدة، بالدهليز، وكان جلوسه في الملك يوم الأحد الثاني والعشرين من رجب، سنة ثمان وسبعين وستمائة، فيكون مدة ملكه نحو إحدى عشر سنة وثلاثة أشهر وأياماً، وخلف ولدين، هما الملك الأشرف صلاح الدين خليل، والسلطان الأعظم الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد، وكان السلطان الملك المنصور المشار إليه، ملكاً مهيباً حليماً، قليل سفك الدماء، كثير العفو، شجاعاً. فتح الفتوحات الجليلة، مثل: المرقب، وطرابلس التي لم يجسر أحد من الملوك مثل صلاح الدين وغيره على التعرض إليهما، لحصانتهما، وكسر جيش التتر على حمص، وكانوا في جمع عظيم، لم يطرق الشام قبله مثله، ولا يحتمل هذا المختصر ذكر فضائله رحمه الله تعالى ورضي عنه.
ذكر سلطنة والده الملك الأشرف:
ولما توفي السلطان، وجلس في الملك بعده، ولده الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن السلطان الملك المنصور قلاوون المذكور، وكان جلوسه في سابع ذي القعدة من هذه السنة، صبيحة اليوم الذي توفي فيه والده، ولما استقر السلطان الملك الأشرف في المملكة، قبض على حسام الدين طرنطاي نائب السلطنة، في يوم الجمعة ثاني عشر ذي القعدة، فكان آخر العهد به، وفوض نيابة السلطنة إلى بدر الدين بيدرا، والوزارة إلى شمس الدين محمد بن السلعوس.

.ما وقع من أحداث سنة تسعين وستمائة:

ثم دخلت سنة تسعين وستمائة:
ذكر فتوح عكا:
في هذه السنة، في جمادى الآخرة، فتحت عكا، وسبب ذلك، أن السلطان الملك الأشرف، سار بالعساكر المصرية إلى عكا، وأرسل إلى العساكر الشامية، وأمرهم بالحضور، وأن يحضروا صحبتهم المجانيق، فتوجه الملك المظفر صاحب حماة، وعمه الملك الأفضل، وسائر عسكر حماة صحبته، إلى حصن الأكراد، وتسلمنا منه منجنيقاً عظيماً يسمى المنصوري، حمل مائة عجلة، ففرقت في العسكر الحموي، وكان المسلم إلي منه عجلة واحدة، لأني كنت إذ ذاك أمير عشرة، وكان مسيرنا بالعجل، في أواخر فصل الشتاء، فاتفق وقوع الأمطار والثلوج علينا بين حصن الأكراد ودمشق، فقاسينا من ذلك بسبب جر العجل، وضعف البقر وموتها بسبب البرد، شدة عظيمة، وسرنا بسبب العجل من حصن الأكراد إلى عكا شهراً. وذلك مسير نحو ثمانية أيام للخيل على العادة، وكذلك أمر السلطان الملك الأشرف بجر المجانيق الكبار والصغار، ما لم يجتمع على غيرها، وكان نزول العساكر الإسلامية عليها في أوائل جمادى الأولى من هذه السنة، واشتد عليها القتال، ولم يغلق الفرنج غالب أبوابها، بل كانت مفتحة، وهم يقاتلون فيها، وكانت منزلة الحمويين برأس الميمنة، على عادتهم، فكنا على جانب البحر، والبحر عن يميننا إذا واجهنا عكا، وكان يحضر إلينا مراكب مقبية بالخشب الملبس جلود الجواميس، وكانوا يرموننا بالنشاب والجروخ، وكان القتال من قدامنا من جهة المدينة، ومن جهة يميننا من البحر، وأحضروا بطسة فيها منجنيق يرمي علينا، وعلى خيمنا من جهة البحر، فكنا منه في شدة، حتى اتفق في بعض الليالي هبوب رياح قوية، فارتفع المركب وانحط بسبب الموج، وانكسر المنجنيق الذي فيه، بحيث أنه انحطم، ولم ينصب بعد ذلك.
وخرج الفرنج في أثناء مدة الحصار بالليل، وكبسوا العسكر، وهزموا اليزكية، واتصلوا إلى الخيام، وتعلقوا بالأطناب، ووقع منهم فارس في جورة مستراح بعض الأمراء فقتل هناك، وتكاثرت عليهم العساكر فولى الفرنج منهزمين إلى البلد، وقتل عسكر حماة عدة منهم، فلما أصبح الصباح، علق الملك المظفر صاحب حماة، عدة من رؤوس الفرنج في رقاب خيلهم التي كسبها العسكر منهم، وأحضر ذلك إلى السلطان الملك الأشرف، واشتدت مضايقة العسكر لعكا حتى فتحها الله تعالى لهم، في يوم المجمعة السابع عشر من جمادى الآخرة بالسيف، ولما هجمها المسلمون، هرب جماعة من أهلها في المراكب، وكان في داخل البلد عدة أبرجة عاصية، بمنزلة قلاع، دخلها عالم عظيم من الفرنج وتحصنوا بها، وقتل المسلمون وغنموا من عكا شيئاً يفوت الحصر من كثرته، ثم استنزل السلطان جميع من عصى بالأبرجة، ولم يتأخر منهم أحد، فأمر بهم فضربت أعناقهم عن آخرهم حول عكا، ثم أمر بمدينة عكا فهدمت إلى الأرض، ودكت دكاً، ومن عجائب الاتفاق. أن الفرنج استولوا على عكا وأخذوها من صلاح الدين، ظهر يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة، سنة سبع وثمانين وخمسمائة، واستولوا على من بها من المسلمين، ثم قتلوهم، فقدر الله عز وجل في سابق علمه، أنها تفتح في هذه السنة في يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة على يد السلطان الملك الأشرف صلاح الدين، فكان فتوحها مثل اليوم الذي ملكها الفرنج فيه، وكذلك لقب السلطانين.
ذكر فتوح عدة حصون ومدن:
لما فتحت عكا، ألقى الله تعالى الرعب في قلوب الفرنج الذين بساحل الشام، فأخلوا صيدا وبيروت، وتسلمها الشجاعي في أواخر رجب، وكذلك هرب أهل مدينة صور، فأرسل السلطان وتسلمها، ثم تسلم عثليث في مستهل شعبان، ثم تسلم أنطرطرس في خامس شعبان. جميع ذلك في هذه السنة، أعني سنة تسعين وستمائة. واتفق لهذا السلطان من السعادة، ما لم يتفق لغيره، من فتح هذه البلاد العظيمة، الحصينة، بغير قتال ولا تعب، وأمر بها فخربت عن آخرها، وتكاملت بهذه الفتوحات، جميع البلاد الساحلية الإسلامية، وكان أمراً لا يطمع فيه ولا يرام، وتطهر الشام والسواحل من الفرنج، بعد أن كانوا قد أشرفوا على أخذ الديار المصرية، وعلى ملك دمشق، وغيرها من الشام، فلله الحمد والمنة على ذلك، ولما تكاملت هذه الفتوحات العظيمة، رحل السلطان الملك الأشرف، ودخل دمشق وأقام مدة، ثم عاد إلى الديار المصرية ودخلها في هذه السنة.
وفيها لما كان السلطان محاصر لعكا، سعى علم الدين سنجر الحموي المعروف بأبي خرص، بين السلطان وبين حسام الدين نائب السطنة بدمشق، فخاف حسام الدين لاجين، وقصد أن يهرب، وعلم به السلطان فقبض عليه، وعلى أبي خرص، وقيدهما وأرسلهما فحبسا.
وفيها ولى السلطان، علم الدين، سنجر الشجاعي نيابة السلطنة بالشام موضع حسام الدين لاجين.
وفيها في ربيع الأول، مات أرغون ملك التتر بن أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكزخان، وكانت مدة مملكته نحو سبع سنين، ولما مات، ملك بعده أخوه كيختو بن أبغا، وخلف أرغون ولدين هما فازان، وخربندا، وكانا بخراسان، ولما تولى كيختو أفحش في الفسق واللواط بأبناء المغل، فأبغضوه على ذلك وفسدت نياتهم فيه.
وفيها قتل تلابغا بن منكوتمر بن طغان بن باطو بن دوشي خان بن جنكزخان، وقد تقدم ذكر ملكه في سنة ست وثمانين وستمائة، قتله نغية، وجلس بعده في الملك طقطغا بن منكوتمر بن طغان أخو تلابغا المذكور، ورتب نغية إخوة طقطغا معه، وهم برلك، وصراي بغا، وتدان، وفي أوائل هذه السنة، أعني سنة تسعين وستمائة، تكملت عمارة قلعة حلب، وكان قد شرع قراسنقر في عمارتها في أيام السلطان الملك المنصور، فتمت في أيام الملك الأشرف، فكتب عليها اسمه، وكان قد خربها هولاكو لما استولى على حلب في سنة ثمان وخمسين، وستمائة، فكان لبثها على التخريب نحو ثلاث وثلاثين سنة بالتقريب.

.ما وقع من أحداث سنة إحدى وتسعين وستمائة:

ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وستمائة:
ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وستمائة:
ذكر فتوح قلعة الروم:
في هذه السنة سار السلطان الملك الأشرف من مصر إلى الشام، وجمع عساكره المصرية والشامية، وسار الملك المظفر محمود، وعمه الملك الأفضل، إلى خدمته، والتقياه بدمشق، وسارا في خدمته وسبقاه إلى حماة، فاهتم الملك المظفر صاحب حماة في أمر الضيافة والإقامة والتقدمة، ووصل السلطان إلى حماة وضرب دهليزه في شماليها، عند ساقية سلمية، ومد له الملك المظفر سماطاً عظيماً بالميدان، ونصب خيماً تليق بنزول السلطان، فنزل السلطان الملك الأشرف بالميدان، وبسط بين يدي فرسه عدة كثيرة من الشقق الفاخرة، ثم دخل السلطان إلى دار الملك المظفر بحماة، فبسط الملك المظفر بين يدي فرسه بسطاً ثانياً، وقعد السلطان بالدار، ثم دخل الحمام، وخرج وجلس على جانب العاصي، ثم راح إلى الطيارة التي على سور باب النقفي، المعروفة بالطيارة الحمراء، فقعد فيها، ثم توجه من حماة، وصاحب حماة وعمه في خدمته إلى المشهد، ثم إلى الحمام والزرقا، بالبرية، فصاد شيئاً كثيراً من الغزلان وحمير الوحش، وأما العساكر فسارت على السكة إلى حلب، ثم وصل السلطان إلى حلب وتوجه منها إلى قلعة الروم، ونازلها في العشر الأول من جمادى الآخرة من هذه السنة، وهي حصن على جانب الفرات في غاية الحصانة، ونصب عليه المجانيق، وهذا الحصار أيضاً من جملة الحصارات التي شاهدتها، وكانت منزلة الحمويين، على رأس الجبل المطل على القلعة من شرقها، كنا نشاهد أحوال أهلها في مشيهم وسعيهم في القتال وغير ذلك، واشتدت مضايقتها، ودام حصارها، وفتحت بالسيف في يوم السبت حادي عشر رجب، من هذه السنة، وقتل أهلها ونهب ذراريهم، واعتصم كينا غيلو خليفة الأرمن المقيم بها في القلة، وكذلك اجتمع بها من هرب من القلعة، وكان منجنيق الحمويين على رأس جبل المطل على القلة، فتقدم مرسوم السلطان إلى صاحب حماة، أن يرمي عليهم بالمنجنيق، فلما وترناه لنرمي عليهم، طلبوا الأمان من السلطان، فلم يؤمنهم إلا على أرواحهم خاصة، وأن يكونوا أسرى، فأجابوا إلى ذلك، وأخذ كينا غيلوس، وجميع من كان بقلة القلعة، أسرى عن آخرهم، ورتب السلطان علم الدين سنجر الشجاعي لتحصين القلعة، وإصلاح ما خرب منها، وجرد معه لذلك جماعة من العسكر، وأقام الشجاعي وعمرها وحضنها إلى الغاية القصوى، ورجع السلطان إلى حلب، ثم إلى حماة، وقام الملك المظفر بوظائف خدمته، ثم توجه السلطان إلى دمشق، وأعطى الملك المظفر الدستور، فأقام ببلده، وسار السلطان إلى دمشق، وصام بها رمضان وعيد بها، ثم سار إلى الديار المصرية.
ذكر غير ذلك من الحوادث:
فيها هرب حسام الدين لاجين، الذي كان نائباً بالشام، من دمشق، لما وصل السلطان إلى دمشق عائداً من قلعة الروم، وكان حسام الدين المذكور، قد اعتقله السلطان وهو نازل على حصار عكا، ثم أفرج عنه في أوائل هذه السنة، أعني سنة إحدى وتسعين، وسار مع السلطان إلى قلعة الروم، وعاد معه إلى دمشق، فلما وصل إليها، استوحش من السلطان وهرب منه إلى جهة الغرب، فقبضوه وأحضروه إلى السلطان، فبعث به إلى قلعة الجبل بديار مصر، فحبس بها.
وفيها استناب السلطان بدمشق، عز الدين أيبك الحموي، وعزل علم الدين سنجر الشجاعي.
وفيها عند عود السلطان إلى حلب من قلعة الروم، عزل قراسنقر المنصوري عن نيابة السلطنة بحلب، واستصحبه معه، وولى موضعه على حلب، سيف الدين بلبان، المعروف بالطباخي، وكان المذكور نائباً بالفتوحات، وكان مقامه بحصن الأكراد، فعزله وولاه موضع قراسنقر في نيابة السلطنة بحلب، وولى الفتوحات والحصون طغريل الإيغاني، موضع الطباخي، ثم عزله بعد مدة وولى موضعه عز الدين أيبك الخزندار المنصوري.
وفيها بعد وصول السلطان إلى مصر، قبض على شمس الدين سنقر الأشقر، وجرمك، وكان قد قبض على طقصو، بدمشق، وكان آخر العهد بهم.